أحداث الداخلة|أحداث سياسية

على حافة الهاوية: كيف تدفع الجزائر بنزاع الصحراء نحو المجهول بينما العالم يختار السلام؟

20251030_191259

في منعطف حاسم يشهده ملف الصحراء المغربية داخل أروقة الأمم المتحدة، يبدو أن عقوداً من الجمود الدبلوماسي بدأت تتبدد أمام زخم دولي غير مسبوق يدفع نحو حل سياسي واقعي ودائم. فبينما تتجه القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة وعواصم أوروبية وعربية وازنة، نحو طي هذا النزاع المفتعل عبر دعم مبادرة الحكم الذاتي المغربية، تواصل الجزائر التغريد خارج السرب، متمسكة بمواقف متصلبة تهدد بنسف جهود التسوية الأممية وإبقاء المنطقة رهينة لحسابات الماضي.

زخم دولي غير مسبوق لصالح الحل المغربي

يشهد ملف الصحراء المغربية دينامية جديدة، حيث يتزايد الإجماع الدولي حول مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب عام 2007، باعتبارها الحل “الأكثر جدية ومصداقية وواقعية” لإنهاء النزاع. هذا التحول النوعي لم يأت من فراغ، بل هو نتاج دبلوماسية مغربية نشطة ورؤية استراتيجية نجحت في إقناع العالم بجدوى مقترحها.

وقد تجلى هذا الدعم بشكل واضح في المواقف الأخيرة للقوى الفاعلة في مجلس الأمن. فالولايات المتحدة، بصفتها “حاملة القلم” في الملف، تواصل التأكيد على أن سيادة المغرب على صحرائه “غير قابلة للنقاش”، وأن مبادرة الحكم الذاتي هي الأساس الوحيد لأي تفاوض. وتترجم واشنطن هذا الموقف عبر خطوات عملية، مثل التحضير لفتح قنصلية في مدينة الداخلة، مما يرسخ حضورها الدبلوماسي والاقتصادي في الأقاليم الجنوبية للمملكة.

على الضفة الأخرى من الأطلسي، يتسع نطاق الدعم الأوروبي بشكل لافت. فقد انضمت دول وازنة مثل إسبانيا، ألمانيا، هولندا، وبلجيكا إلى فرنسا في دعم المقترح المغربي، معتبرة إياه أساساً واقعياً لحل يضمن الاستقرار الإقليمي. وقد أكدت بلجيكا مؤخراً أنها ستتصرف على المستويين الدبلوماسي والاقتصادي بناءً على هذا الموقف الجديد. كما جاء الموقف البريطاني ليعزز هذا التوجه، حيث وصفت لندن المبادرة المغربية بأنها “الأكثر مصداقية وبراغماتية”.

هذا الزخم يكتمل بدعم عربي متزايد، حيث افتتحت أكثر من 30 دولة ومنظمة قنصليات لها في مدينتي العيون والداخلة، في رسالة دعم واضحة للوحدة الترابية للمغرب.

جهود أممية مكثفة ومشروع قرار حاسم

تزامناً مع هذا الحراك الدولي، يكثف المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستافان دي ميستورا، جهوده لإحياء العملية السياسية. وقد شدد الأمين العام أنطونيو غوتيريش في تقريره الأخير على “الضرورة الملحة لاغتنام الزخم الدولي الراهن” للتوصل إلى حل نهائي، معتبراً أن اقتراب الذكرى الخمسين للنزاع يجب أن يكون دافعاً لتسريع التسوية.

يترقب العالم حالياً التصويت على مشروع قرار أمريكي جديد في مجلس الأمن، والذي تم تأجيله مؤخراً بسبب تطورات طارئة. وتشير المسودات المسربة إلى أن القرار يكرس تفوق مبادرة الحكم الذاتي كمرجعية أساسية للمفاوضات، ويدعو الأطراف المعنية، بما فيها الجزائر، إلى الانخراط الجاد في الموائد المستديرة.

التعنت الجزائري: عرقلة ممنهجة للسلام

في مقابل هذه الإرادة الدولية الجامعة، تقف الجزائر حجر عثرة أمام كل محاولات التسوية. فبدلاً من الانخراط البناء كطرف رئيسي في النزاع، وهو ما تؤكده قرارات مجلس الأمن، تصر الجزائر على لعب دور “الملاحظ” بينما تدعم وتمول وتسلح جبهة البوليساريو الانفصالية.

وقد فشلت الدبلوماسية الجزائرية مؤخراً في تعديل مشروع القرار الأممي بما يخدم أجندتها، حيث قوبلت محاولاتها برفض من أغلبية أعضاء مجلس الأمن. كما استبقت الجزائر جلسة المجلس بإعلان رفضها لأي قرار لا يتضمن خيار “تقرير المصير” بصيغته المتجاوزة، مراهنة على مواقف دول مثل روسيا والصين التي تميل إلى الامتناع عن التصويت أكثر من استخدام حق النقض (الفيتو).

هذا الموقف المتعنت لا يعكس فقط رغبة في إطالة أمد النزاع لتحقيق أطماع جيوسياسية في المنطقة، بل يكشف أيضاً عن حالة من العزلة الدبلوماسية التي يعيشها النظام الجزائري، الذي يجد نفسه في مواجهة إجماع دولي متنامٍ.

يقف ملف الصحراء المغربية اليوم على عتبة مرحلة جديدة، مدفوعاً برؤية مغربية واقعية ودعم دولي واسع. لقد أدرك العالم أن الاستقرار والتنمية في منطقة شمال إفريقيا والساحل يمران حتماً عبر حل هذا النزاع المفتعل ضمن إطار السيادة المغربية. ويبقى السؤال معلقاً: إلى متى ستستمر الجزائر في السباحة ضد تيار التاريخ، مضحية بمستقبل شعوب المنطقة بأكملها من أجل أوهام وأطماع لم تعد تجد لها صدى في عالم اليوم؟ إنها لحظة الحقيقة التي ستكشف من يختار السلام ومن يتمسك بالوهم.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

‫من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي أحداث الداخلة