أحداث الداخلة|أحداث سياسية

بايتاس في مواجهة العواملة: حينما يكشف “الناطق الرسمي” عن أزمة تواصل حكومية

mustapha-baitas-1

في زمن أصبحت فيه المعلومة سريعة الانتشار والتفاعل مع الرأي العام مقياساً لنجاح أي سياسة عمومية، يأتي دور الناطق الرسمي باسم الحكومة كحلقة وصل حيوية بين صانع القرار والمواطن.

لكن المواجهة الإعلامية الأخيرة بين الوزير مصطفى بايتاس والصحفي نوفل العواملة، كشفت عن هوة عميقة وأزمة تواصل حقيقية، أكثر من كونها مجرد سجال عابر.

تحليل الموقف: سؤال من صلب الواقع ورد فعل خارج السياق

خلال برنامج حواري، نقل الصحفي نوفل العواملة سؤالاً أصبح حديث الشارع ومواقع التواصل الاجتماعي، يتعلق بمطالب شباب “جيل زد” التي تصدرها مطلب استقالة الحكومة الحالية.

كان السؤال مهنياً بامتياز، فهو لا يعبر عن رأي الصحفي الشخصي، بل ينقل نبض فئة من المجتمع أصبحت حركتها الاحتجاجية واقعاً لا يمكن تجاهله.

إلا أن رد الوزير بايتاس جاء مفاجئاً وحاداً، حيث لم يكتفِ بإنكار وصول هذه المطالب إليه، بل اتهم الصحفي مباشرة بأنه أصبح “الناطق الرسمي باسمهم”. هذا الرد يمكن تحليله من عدة زوايا:

1.تجاهل الواقع أم انفصال عنه؟

تصريح الوزير بأنه “لم ير ولم يسمع” بمطلب استقالة الحكومة الذي يتصدر احتجاجات “جيل زد” يطرح تساؤلاً كبيراً.

فكيف يمكن للناطق الرسمي باسم الحكومة، الذي يفترض أن يكون الأكثر متابعة للشأن العام، أن يكون غافلاً عن مطلب أساسي أصبح محور النقاش الوطني؟

هذا الموقف يعكس إما تجاهلاً متعمداً لنبض الشارع، أو انفصالاً مقلقاً عن الواقع الذي يعيشه المواطنون.

2. شخصنة النقاش العام

بدلاً من التعامل مع السؤال بموضوعية وتقديم إجابات سياسية مقنعة، لجأ الوزير إلى أسلوب الهجوم الشخصي على الصحفي.

هذا الأسلوب لا يهدف فقط إلى التهرب من الإجابة، بل يسعى أيضاً إلى التشكيك في مصداقية العمل الصحفي عبر وصم ناقل السؤال بأنه طرف في القضية.

إنها محاولة لتحويل النقاش من مساءلة الحكومة حول أدائها إلى محاكمة الصحفي على سؤاله.

3. مؤشر على توتر حكومي

رد الفعل الانفعالي للوزير بايتاس لا يمكن فصله عن سياق الضغط الذي تواجهه الحكومة. فالاحتجاجات الشبابية المتصاعدة، والمطالب الاجتماعية الملحة، تضع الحكومة في موقف دفاعي.

ويُنظر إلى رد بايتاس الحاد على أنه تعبير عن هذا التوتر، وعجز عن احتواء الغضب الشعبي بخطاب هادئ ورصين.

ما وراء الرد: أزمة تواصل استراتيجية

لم يكن هذا الموقف حادثاً معزولاً، بل هو تجسيد لهشاشة استراتيجية التواصل الحكومية. ففي الوقت الذي كان ينتظر فيه الرأي العام من الحكومة رسائل طمأنة واستيعاب، جاء الرد ليزيد من تأجيج مشاعر الإحباط وتعميق هوة الثقة.

غياب الإنصات الفعال

أظهرت الحكومة، من خلال ناطقها الرسمي، أنها لا تتقن فن الإنصات لمطالب الشارع، خاصة تلك التي تأتي من جيل جديد يعبر عن نفسه بوسائل مختلفة.

خطاب دفاعي بدل المصارحة

بدلاً من الاعتراف بوجود أزمة وتقديم مقاربة واضحة للتعامل معها، فضلت الحكومة تبني خطاب دفاعي يميل إلى الإنكار أو التقليل من شأن المطالب.

الفشل في امتصاص الغضب

كانت الخرجات الإعلامية لعدد من الوزراء تهدف على ما يبدو إلى امتصاص الغضب الشعبي، لكن النتيجة جاءت عكسية، حيث أدت التصريحات المستفزة إلى زيادة الاستياء.

الصحافة ليست عدواً بل مرآة

في الأنظمة الديمقراطية، لا يمكن النظر إلى الصحافة التي تنقل أسئلة الرأي العام كخصم. إنها مرآة تعكس الواقع، قد تكون صورتها قاسية أحياناً، لكن كسرها لا يغير من حقيقة الصورة.

إن رد فعل الوزير مصطفى بايتاس لم يكن مجرد رد على سؤال، بل كان مؤشراً على أزمة ثقة عميقة بين الحكومة وجزء من شعبها، وأزمة في فهم دور الإعلام كوسيط ضروري وليس كبوق للدعاية.

والمطلوب اليوم ليس إسكات الأصوات الناقدة، بل بناء جسور الحوار الحقيقي القائم على الشفافية والمصارحة.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

‫من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي أحداث الداخلة