الاقتصاد ضحية التوترات السياسية على طاولة قمة العشرين

  • تنعقد قمة العشرين التي انطلقت، الثلاثاء، في جزيرة بالي بإندونيسيا.
  • شهدت القمة على هامشها أمس الاثنين أول لقاء لجو بايدن كرئيس للولايات المتحدة مع نظيره الصيني شي جينبينغ، لمناقشة الخلافات السياسية بين البلدين وعلى رأسها أزمة جزيرة تايوان.
  • حسب التسريبات الصحفية فإن قضايا الحرب في أوكرانيا والتهديد بالأسلحة النووية تسيطر على مسودة البيان الختامي لقمة العشرين في حين تراجعت أولويات الصحة والطاقة المستدامة والتحول الرقمي.

تناسي جائحة كورونا

الباحثة في الشئون الدولية المقيمة في واشنطن، هديل عويس، قالت في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إنه على ما يبدو أن الدول الكبرى تناست جائحة كورونا التي شكّلت خطرا وجوديا عالميا لكل الدول على حد سواء، وعادت للتركيز على الخلافات السياسية فيما بينها، رغم وجود قيادة ديموقراطية في البيت الأبيض وعدت الأميركيين بالتعامل مع الأزمات الوجودية التي تلمس عامة الشعب الأميركي مثل الأوبئة والتغير المناخي والتدهور الاقتصادي.

 وتابعت أنه حاليا نرى الإدارة الأميركية تصب كل اهتمامها على الصراع في أوكرانيا ومواجهة روسيا، مع استمرار الولايات المتحدة في تركيزها على الصين كونها أكبر خطر على أميركا من وجهة نظر الحزبين السياسيين في الولايات المتحدة.

وأضافت أن قضية مواجهة روسيا تحولت إلى التحدي الأول للحكومات الغربية بسبب خشيتها من أن يذهب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أبعد من مجرد أوكرانيا، فلذلك نرى تصميما على هزيمة روسيا ومنعها من تحقيق أهدافها الاستراتيجية في هذه الحرب.

وشددت على أنه برغم سيطرة قضية الصراع مع روسيا على قمة العشرين فإنها تعتقد أنه من الوارد أن تكون هذه القمة بداية لبصيص أمل لتهدئة بين الدول الكبرى، خاصة بعد وعد الرئيس الأميركي جو بايدن بألا تكون هناك حرب باردة مع الصين، وذلك بعد لقائه بالرئيس الصيني شي، كما أن انسحاب روسيا من خيرسون يراه الغرب والبعض في واشنطن بداية لهزيمة روسيا ولو بشكل جزئي، وأن موسكو اقتنعت باستحالة تحقيقها نصرا عسكريا كبيرا في أوكرانيا، وبالتالي هناك إمكانية لجلب أوكرانيا وروسيا إلى طاولة المفاوضات والبدء بخطوات تطوي صفحة الحرب.

هديل عويس قالت أيضا إن دونالد ترامب أعلن عن ترشيح نفسه لانتخابات الرئاسة الأميركية للمرة الثالثة، وبعد أشهر سنشهد في أميركا حراكا سياسيا حول انتخابات الرئاسة، وهذا قد يعيد تركيز إدارة بايدن على حل التحديات الاقتصادية ومشكلة التضخم.

قمة العناوين السياسية

المتخصص في العلاقات السياسية والاقتصادية الصينية الأميركية، عامر تمام، قال لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إنه لا يمكن فصل الأوضاع السياسية عن الاقتصاد، خاصة إذا كانت أحداثا كبيرة مثل الحرب الأوكرانية الروسية او الصراع الصيني الأميركي.

وتابع أنه يمكننا أن نطلق على هذه القمة قمة محاولة ترتيب الأوراق السياسية، حيث تابعنا طغيان الحرب الروسية على الكثير من أعمال القمة لدرجة أنه كانت هناك خلافات بين القادة على مضمون مسودة البيان الختامي، بسبب رغبة أطراف إدانة الحرب الروسية على أوكرانيا، ورغبة طرف آخر إدانة العقوبات التي يفرضها الغرب والتي تؤثر على الأمن الغذائي أو أسعار الطاقة.

تمام قال إنه على الجانب الآخر حملت قمة الرئيس بايدن والرئيس شي أهمية كبيرة للغاية، لا تقل في أهميتها عن قمة العشرين نفسها، ورغم كونها قمة سياسية بين الرئيسين إلا أنها حملت تطمينات بعدم التصعيد بين البلدين، وألا ينجر العالم للمزيد من الصراعات، وضمان سلاسل التوريد والتقليل من تداعيات أزمة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية على الأقل في المستقبل القريب.

وشدد على أن قمة العشرين تحمل عناوين سياسية وهذا حقيقي، لكن إذا ما تحققت التفاهمات السياسية سينعكس ذلك على الأوضاع الاقتصادية، حيث تراجعت قضايا الصحة والطاقة النظيفة والتحول الرقمي بسبب أولويات اقتصادية أيضا، حسب اعتقاده.

وأكد أن الأولوية الآن لتحقيق الامن الغذائي وسط مخاوف من دخول بعض الدول في مجاعات، والأولوية الأخرى تتمثل في تأمين وصول الطاقة بأسعار عادلة، والأهم من كل ذلك هو منع الاقتصاد العالمي من الدخول في ركود قد يتسبب في العديد من الاضطرابات السياسية بالعديد من الدول.

قمة الحرب والهيمنة

من جانبه، قال الكاتب الصحفي المقيم في الولايات المتحدة، مصطفى النجار، في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن قمة العشرين الحالية في إندونيسيا هي “قمة الحرب والهيمنة”، وتستحوذ عدة قضايا على طاولة المجتمعين، إذ تسعي خلالها الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين لإعادة سيطرتهم على دول العالم سياسيًا وعسكريًا وكذلك اقتصاديًا.

لكن النجار يرى وعلى عكس كل قمة سابقة فإن ملف الاقتصاد رغم كونه الأبرز على الساحة الدولية حاليا، وعلى الرغم من أن جميع دول العالم بلا استثناء تعاني من موجات تضخمية شهرية تعصف بسكانها، إلا أن ملفات الأمن وعودة الجناح الغربي بقيادة أمريكا هو المهيمن على النقاشات المعلنة وفي الغرف المغلقة بقمة العشرين.

وأضاف النجار أن سياسات الحزب الجمهوري خلال فترة حكم الرئيس الأميركي دونالد ترامب أدت لتراجع كبير في الدور الأميركي بالسياسة الدولية، لتحل محلها كلا من الصين وحليفتها روسيا، ما تسبب في خسائر دبلوماسية وسياسية واقتصادية ضخمة لواشنطن.

وقال النجار إن إدارة بايدن تسعى بشكل حثيث حاليا تستطيع لحصار الصين التي من وجهة نظر واشنطن تتخذ موقفا داعما للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حربه على أوكرانيا، وكذلك تعمل إدارة بايدن على إشعال الصراع الخامد بين الصين وتايوان بالمطالبة باستقلال الأخيرة، وكل هذه الملفات الشائكة كانت ولاتزال حاضرة على طاولة قمة العشرين.

وتوقع النجار، تغلب الجناح الغربي الأميركي في السنوات المقبلة من خلال تعهدات أميركية بإعطاء قبلة الحياة لأسواق المال والصناعة بقرارات فيدرالية ستؤثر علي الاقتصاد العالمي وبالتالي تحافظ علي استقرار العالم، فالأميركان يدركون قوتهم الاقتصادية كمسيطرين علي ربع اقتصاد العالم ويجيدون استخدام هذه الورقة للضغط علي دول العالم في القضايا الاقتصادية والجيوسياسية ، وقد نجحت وحاليا بايدن يسعى بشكل ملحوظ لإعادة الاصطفاف العالمي مع القيادة الأميركية بعد أن تعالت الأصوات التي كانت تقول إن الصين ستقود العالم ومعها روسيا.

الاقتصاد ضحية الخلافات السياسية

فيما قال الأكاديمي المقيم في واشنطن، عقيل عباس، في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إنه دائما تكون الخلافات السياسية لها مرتبة متقدمة على الاقتصاد، لأن التفاهم على أي قضايا اقتصادية يحتاج مناخا سياسيا مناسبا.

وأضاف أنه يعتقد أن قمة العشرين هذا العام وبسبب شدة الخلاف السياسي العالمي حول الحرب في أوكرانيا، فإنه لا يوجد إطار سياسي ملائم للتوصل لاتفاقات اقتصادية أو حتى التعاطي والتفاعل مع قضايا اقتصادية.

وتابع أن الاقتصاد على طاولة قمة العشرين في إندونيسيا سيذهب ضحية للخلافات السياسية الناشئة عن الأزمة الأوكرانية وصراعات أخرى عسكرية وأمنية مباشرة وغير مباشرة، مما يصعب من عملية التعاون الاقتصادي الجاد بين المشاركين في قمة العشرين.

– تجدر الإشارة إلى أن مسودة البيان الختامي لقمة العشرين بإندونيسيا حسب التسريبات تؤكد أن معظم الدول الاعضاء تدين بشدة الحرب في أوكرانيا، وأنها تتسبب بمعاناة بشرية هائلة وتفاقم الهشاشة التي يعاني منها الاقتصاد العالمي في الأساس.

– المسودة لفتت إلى وجود وجهات نظر أخرى تفيد بأن مجموعة العشرين ليست المنصة المخصصة لحل القضايا الأمنية، ولكن الدول الأعضاء تقرّ بأن القضايا الأمنية قد تحمل عواقب كبيرة بالنسبة للاقتصاد العالمي.

قد يعجبك أيضا