ريا حبيب، مهندسة أميركيّة، من أصول مصريّة، مولعة بالمفهوم “المينيمالي”، فهي تتفنّن في إخراج مشاريعها السكنيّة والتجاريّة، مطبوعةً بطابع تقشّفي عملي، من دون القفز عن الخطوط المستقيمة ونقاء اللون الأبيض. بالتالي، هي تدير الظهر لعناصر التزويق التي لا لزوم لها… في المحصّلة، تتكشّف الأعمال التي تحمل توقيعها عن خلفيّة صلبة في العمارة وذوق رفيع وعلاقات متآلفة بين العناصر، مع البعد عن الرتابة.
في الحوار الآتي نصّه، تتحدّث المهندسة ريا حبيب لـ”سيدتي” عن فلسفتها في العمارة، بإسهاب، كما تسلّط الضوء على سبب هواها بالمشاريع التجاريّة، التي تطلق العنان لإبداعها حسب تعبيراتها.
___
هل من سمات مصريّة في أعمالك، سواء تلك المنفّذة في الولايات المتحدة الأميركية أو حول العالم؟
تبثّ أعمالي، في ميدان التصميم الداخلي، الشعور بالخلود والحرفيّة. هنا، أستطيع الربط مع أصولي، وتحديداً مع تاريخ المصريين الخالد، وتاريخ الحرفيين الزاهر، وصنيعهم اليدوي الماهر، انطلاقاً من مواد طبيعيّة جميلة.
المينيماليّة” في التصميم
كيف تعرّفين “المينيماليّة” في التصميم؟ ولماذا ترتبط غالبيّة أعمالك، بهذا المفهوم؟
تقضي “المينيماليّة” بإفراغ المساحات من أي عناصر و”أشياء” لا تقوم بأي وظيفة؛ هذا النهج سائد في أعمالي أيضاً، لأنّي أعتقد أن الفراغ المعماري يجب أن يكون “صامتاً”، وبعيداً عن الصخب، ولو أن هناك استثناءات لكلّ قاعدة في عالم التصميم على الدوام! أضف إلى ذلك، أهدف إلى تصميم مساحات بسيطة تخلو من أي تعقيد.. أيّام البشر ملؤها الفوضى أخيراً؛ في المواجهة أهوى خلق مساحات توفّر الانسجام والتوازن وراحة البال. وأعتقد أن كلّاً من الضوء والشكل والمادية والحجم يعبّر عن رؤيتي في العمارة، وليس أي عنصر زخرفي يصرف الانتباه عن أساسيّات المشروع.
تظهر الأسقف العالية وأشعة الشمس والمواد الراقية وألوان الأرض بوضوح، في مشاريعك. هل فاتني ذكر أي خصائص أخرى لها؟
هناك أيضاً المفاهيم القويّة والتفاصيل (أو العلاقات المادية) والبساطة والمواد الطبيعيّة.
للوظيفيّة الأولوية
كيف تصفين أسلوبك، باختصار؟
صحيح أن الأسلوب “المينيمالي” أو التقشّفي أساسي في عملي، كما أسلفت، لكن لكلّ مشروع ظروفه الخاصّة. أرى أن أسلوبي يتطوّر على الدوام، لكن جوهر أسلوبي هو التفنّن أثناء الاشتغال على إخراج تصميم تبسيطيّ، مع التمسّك بالأصالة وبالوظيفيّة التي تأتي في المرتبة الأولى!
هل تفضلين تصميم المشاريع التجاريّة أم السكنية؛ ولماذا؟
أفضّل المشاريع التجاريّة، فالاشتغال على مساحات مماثلة يُمتعني، كما يسمح بجعل العدد الأكبر من الناس يختبرون التصاميم ويستمتعون بها ويستلهمون منها. أضف إلى ذلك، تمتعني فكرة التعاون بين تخصّصات مختلفة، في إطار تحقيق مشروع تجاري، فهي تسمح بتعلّم الكثير من الخبراء، سواء من مهندسي الإنشاءات أو الطهاة أو الاستشاريين في مجال الأغذية والمشروبات أو موظّفي قطاع الضيافة… باختصار، يثيرني العمل في تصميم المشاريع التجاريّة، لأنّه يطلق العنان لإبداعي. لكن ما تقدّم لا يعني إهمال المشاريع السكنيّة، وإعداد تصاميم جيّدة وجذّابة لها!
“العزبة البيضاء”
ثمّة مشروع سكني يحمل بصماتك، هو “هاسيندا وايت بيتش هاوس” بمصر، كان حظي باهتمام مجتمع التصميم الداخلي. حدّثينا عن هذه “العزبة البيضاء”، من حيث المفهوم والمواد والأسلوب؟
كان صاحب المشروع أراد أن يتصف منزله الصيفي بالبساطة والإشراقة والراحة، لذا تمحور مفهوم التصميم حول ربط المساحتين الداخليّة والخارجيّة ببعضهما البعض، مع جعل الأولى تطلّ على المناطق الخارجيّة وحمّام السباحة، الذي يتخذ هيئة حرف L، وذلك حتّى تسترسل أبصار الجالسين في الداخل إليه، بالإضافة إلى السماح لمن يدخل مساحات المعيشة والمطبخ وكذلك غرف النوم من أن يطلّ على الماء. في هذا الإطار، كانت الأبواب الزجاجيّة القابلة للطيّ سمحت بدمج الداخل والخارج ببعضهما البعض، بسلاسة. لناحية المواد والمساحات، فهي “مستقيمة” ومدروسة ودقيقة، وتدخل في تناقض محبّب، مع مشهد البحر المحيط “بالعزبة”، وبتشكيلات البحر الطبيعيّة غير التامّة.
الجدير بالذكر أن اللون الأبيض الطاغي على المساحة، يسمح لها بغمر أشعّة الشمس الوافرة، وأن المواد الطبيعيّة المستخدمة، كالعوارض الخشبيّة على السقف، وأحجار الجلخ المحليّة على الأرضيّات، تبثّ شعوراً بالأصالة والخشونة.
التكنولوجيا والشباب
كنتِ معيدة في قسم التصميم بالولايات المتحدة؛ كيف تصفين جيل اليوم من الطلاب؟
هم مفكّرون جيّدون، ويقاربون التصميم من باب التكنولوجيا.. من جهةٍ ثانيةٍ، أعتقد أنّهم أكثر كفاءةً في حسن استغلال الوقت، مقارنةً بأفراد جيلي.
ما هي المشاريع التي تشتغلين عليها، من خلال شركتك، راهناً، وفي المستقبل القريب؟
في الولايات المتحدة الأميركيّة، هناك مشروع تجاري جديد في “لوس أنجلس” بـ”كاليفورنيا”، وشقّة خاصة في “مينيابوليس” بـ”مينيسوتا”. وفي مصر، هناك عدد قليل من المنازل الخاصّة الجميلة ومطعم في الساحل الشمالي وناد وابتكار مفهوم عن بيئة سكنيّة شاملة كلّ الخدمات في الجونة. أضف إلى ذلك، هناك مشروع تجاري، بدبي!
في سطور…
ريا حبيب سليلة والدين مصريين، وهي مولودة في الولايات المتحدة الأميركية، التي عاشت فيها طويلاً قبل العودة إلى مصر في عام 2009، مع الإقامة مذّاك بين الوطن الأمّ والولايات المتحدة الأميركيّة بالتناوب.
كانت ريا درست هندسة العمارة، وتخرجّت في جامعة “مينيسوتا”، بعد أن حازت على درجة الماجستير. ثمّ، أسّست شركة للتصميم تحمل اسمها الأول في عام 2016. تصف ريا الشركة، قائلةً إنّها “بوتيك للتصميم متعدّد التخصصات، إذ ينفّذ مشاريع العمارة والديكور الداخلي”.
تعليقات
0